بيان حال الأمة الإسلامية مع تسلط الأعداء عليها
مدة الملف
حجم الملف :
16964 KB
عدد الزيارات 13725

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء المتمم للسبعين من اللقاءات الشهرية التي تتم في الجامع الكبير في مدينة عنيزة في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة هي ليلة عشرين من شهر شعبان عام (1420هـ). أسأل الله أن ينفعنا بهذه اللقاءات، وأن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً يغنينا به عن خلقه، ولا يغنينا به عنه عز وجل. في هذه الليلة نرحب بإخواننا في مدينة بريدة في مسجد الغانم بحي البصيرية، حيث إنهم شاركوا في الاستماع إلى هذا اللقاء عبر الهاتف جزاهم الله خيراً وأخلف عليهم ما أنفقوه بالبركة، كما سبقهم في ذلك إخواننا في رياض الخضراء.

إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام تستقبل شهر رمضان المبارك، ولكنها تعيش بألم ونكد فيما يجري على إخواننا في الشيشان من تسلط أولئك الملحدين من بلاد الروس عليهم، لا لشيء؛ إلا لأنهم شرعوا في نشر الدين الإسلامي الصافي من البدع في بلاد البلقان، ولكن أعداء الإسلام لا يرضون بهذا أبداً سواءٌ كانوا من الملحدين الشيوعيين، أو كانوا من النصارى أو من اليهود أو من غيرهم، وهذا ظاهر.

إن الدول الغربية ساكتة، بل ربما يكون بعضها يساعد الروس بالخفاء -قاتل الله الجميع- ولما أرادت تيمور الشرقية وهي جزء من الأمة الإسلامية في إندونيسيا أن تتحرر لأن أكثرها نصارى، قام الغرب وقعد، وهيأ الأسطول الجوي، والبحري، والبري، من أجل أن ينفصل هذا الجزء من إندونيسيا؛ لأن أكثره نصارى.

أما جمهورية الشيشان الجمهورية الفتية التي عرفت حقيقة الحياة، وعرفت حقيقة التوحيد، وعرفت الدين الصافي، فهي عند الغرب منشقة، والمجاهدون فيها إرهابيون، وما أشبه ذلك، ولكني أقول: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:249].

إننا لن نيئس ولن نقنط وسوف يرجع الروس على أعقابهم مخذولين إن شاء الله، كما رجعوا في أول مرة، وإن من حق إخواننا علينا، بل أدنى حق أن ندعو الله لهم أن ينجيهم من القوم الظالمين، وأن ينصرهم على القوم الكافرين، في أوقات وأحوال الإجابة، في السجود، في الفريضة والنافلة، بين الأذان والإقامة، في آخر الليل، في يوم الجمعة من مجيء الإمام إلى أن تُقضى الصلاة، كل هذه أوقات إجابة علينا أن نلح على الله عز وجل بالدعاء.

اللهم انصر إخواننا المسلمين في الشيشان، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم اردد عدوهم خائباً نادماً، اللهم أذله بعد العزة، اللهم أضعفه بعد القوة، اللهم أفقره بعد الغنى، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم يا رب العالمين، واجعل بأسهم بينهم.

مزايا شهر رمضان وخصائصه.

من خصائص رمضان: نزول القرآن فيه.

المسلمون اليوم يستقبلون شهر رمضان، وهذا الشهر له مزايا كثيرة على غيره من الشهور:

منها: أن الله أنزل فيه القرآن قال تعالى: ﴿هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:185] أنزل الله هذا القرآن في ليلة القدر، وهذا القرآن الكريم -أيها الإخوة- كلام الله عز وجل تكلم به حقيقة، وتلقاه جبريل من الله عز وجل، ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وتناقله المسلمون قرناً بعد قرن، كابراًً عن كابر، حتى بلغنا -ولله الحمد- غير منقوص ولا مزيد.

وهذا القرآن له أيضاً خصائص:

منها: 1/ أنه كلام الله، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور، ولا بسورة من مثله، ولا بأي حديث مثله، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ [الإسراء:88] ومعنى (ظهيراً) أي: معيناً، وقال عز وجل: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ [هود:13] وقال عز وجل: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [يونس:38] وقال عز وجل:﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور:344] ولو دون آية، ولكن لا أحد يستطيع.

2/ ومن خصائص القرآن الكريم: أنه لا يجوز للجنب أن يقرأه حتى يغتسل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحرص الناس على إقراء القرآن لا يمنعه عن إقرائهم إلا الجنابة.

3/ ومنها: أنه لا يجوز مس المصحف، أو أي ورقة فيها قرآن إلا بوضوء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر».

4/ ومنها: أن الحائض لا تقرأ القرآن إلا لحاجة، والحاجة مثل: الأوراد كآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، والمعوذات، وغيرها مما ورد من الأوراد، ومن الحاجة: أن تخاف نسيانه فتقرأه ولا بأس، ومن الحاجة: أن تكون معلمة تعلم القرآن ولو كانت حائضاً ولا بأس، ومن الحاجة: أن تكون متعلمة فتسمع القرآن معلمتها؛ لأن هذه حاجة ولا بأس في ذلك.

5/ ومن خصائص القرآن: أن الحرف الواحد منه بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فمثلاً إذا قرأت: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة:4] (مالك) أربعة حروف فيها أربع  حسنات، كل حسنة بعشر أمثالها، فالجميع أربعون حسنة، في أي كلام يحصل هذا الفضل؟ لا يحصل إلا في القرآن الكريم.

6/ ومنها: أن القرآن يلين القلب ولو كان قاسياً، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر:21] وهو الجبل، وفيه  يقول ابن عبد القوي رحمه الله:

وحافظ على درس القران فإنه *** يلين قلباً قاسياً مثل جلمد

نسأل الله تعالى أن يلين قلوبنا بالقرآن الكريم.

من خصائص رمضان: وجوب صومه.

من خصائص رمضان: أن الله تعالى أوجب على عباده أن يصوموه، فقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] إلى قوله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة:185] وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه».

من خصائص رمضان: مشروعية قيام لياليه.

ومنها: أن «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه». ولو قمت شهر رجب، أو شعبان، أو شوال، لم يحصل لك هذا الأجر، إنما الأجر لمن قام رمضان إيماناً واحتساباً.

فإن قال قائل: وهل يمكن أن يقوم الإنسان رمضان كله؟ قلنا: نعم يمكن ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة». وهو على فراشه، وسبب هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قام بأصحابه إلى نصف الليل، فقالوا: "يا رسول الله، نفلناا بقية ليلتنا -أي: زدنا- قال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة». اللهم لك الحمد، قيام ليلة وأنت على فراشك نائم، ولكن حافظ إذا دخلت مع الإمامم  على ألا تنصرف حتى ينتهي، أما أن تصلي مع هذا ركعتين ومع هذا ركعتين ومع هذا ركعتين فلا يصح.

فإن قال إنسان: هل الأفضل إذا صليت مع الإمام حتى ينصرف أن أقتصر على هذا وأنتهي ولا أقوم، أو الأفضل أن الإمام إذا قام للوتر أترك الإمام؛ لأني سوف أصلي في آخر الليل، وإذا صليت آخر الليل أختم صلاتي بالوتر؟

الجواب: الأول أفضل؛ لأنك إذا مكثت مع الإمام حتى ينصرف أدركت قيام الليل كله مع الجماعة، وأعطيت نفسك حظاً أكثر من الراحة، ولو كانت الصورة الثانية -أعني: أن يترك الإمام ويتهجد في آخر الليل ويوتر- ولو كان هذا أمراً مطلوباً لقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: تهجدوا في آخر الليل، لكنه لم يقل هذا بل قال: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».

من خصائص رمضان: أن فيه ليلة القدر.

ليلة القدر أشاد الله تعالى بذكرها فوصفها بأنها مباركة في سورة الدخان: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾ [الدخان:3] وأنزل الله تعالى فيها سورة كاملة: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر:1-5] هذه الليلة من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وفي هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم، ويكتب فيها كل ما يكون في السنة.

من خصائص رمضان: مشروعية الاعتكاف فيه.

من خصائص رمضان: أنه يسن فيه الاعتكاف: وهو أن يلزم الإنسان المسجد لطاعة الله عز وجل، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأواخر منه، وقد اعتكف قبل ذلك العشر الأول، ثم الأواسط يتحرى ليلة القدر، فأخبر أنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله.

ولكن الاعتكاف هل المراد به أن الأصحاب ينضم بعضهم إلى بعض في زاوية في المسجد يتحدثون باللغو وما لا فائدة منه، أو المقصود التعبد لله عز وجل؟

الثاني هو المقصود، ولهذا قال العلماء في تعريف الاعتكاف: هو لزوم مسجدٍ لطاعة الله.

فإياك أن تذهب هذه الأوقات الثمينة بالتحدث إلى أصحابك، وإضاعة الأوقات، أما إذا تحدث معهم أحياناً فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع زوجته صفية بنت حيي رضي الله عنها ليلاً، ثم قام من أجل أن يقلبها إلى بيتها.

ثم إن الاعتكاف يدخله الإنسان إذا غابت الشمس يوم عشرين ويخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من رمضان، سواء كان التاسع والعشرين، أو الثلاثين.

من خصائص رمضان: أنه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار.

من خصائص رمضان: أنه إذا دخل تفتح فيه أبواب السماء، وأبواب الرحمة، وأبواب الجنة ترغيباً لمن يريد الجنة أن يعمل لها، ولذلك يكثر الخير من أهل الخير، وتغلق فيه أبواب النار حتى لا يعمل الإنسان بعمل أهل النار، وتغل فيه الشياطين، فلا يصلون إلى ما يصلون إليه في غيره، وإلا لا بد من عمل الشياطين لكنهم لا يصلون إلى ما يصلون إليه في غيره.

الحكمة من مشروعية صوم رمضان.

أيها الإخوة: لا بد أن نتكلم عن الحكمة في فرض الصوم.

الحكمة ذكرها الله عز وجل في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] هذه الحكمة: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي: تتقون الله عز وجل. وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». فالله لا يريد مناا  أن نترك الطعام والشراب فقط، بل يريد منا أن ندع قول الزور والعمل بالزور والجهل.

فقول الزور: يشمل كل قول محرم من الغيبة والنميمة، والسب والشتم، وما أشبه ذلك، ويجب على الصائم أن يدع ذلك ويتأكد في حقه.

والعمل بالزور: العمل المحرم كالغش، والخيانة، وأكل الربا، وما أشبه ذلك، وإلا فإن الإنسان لم يصم حقيقة.

والجهل: العدوان على الغير؛ لأن الجهل يأتي في اللغة العربية بمعنى: العدوان على الغير كما في قول الشاعر:

ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

مفسدات الصوم.

هذا هو الحكمة من الصيام، أما الصيام الظاهري صيام البدن فهو عن الأشياء الآتية:

أولاً: الأكل والشرب والجماع، فقد قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة:187] أي: الإفضاء إليهن بالجماع ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة:187] هنا اسمع ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة:187] هذا تابع للمباشرة ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:187] هذه ثلاث مفطرات إذا فعلها الإنسان فسد صومه، فلو جامع فسد صومه، ولو أكل فسد صومه، ولوو  شرب فسد صومه.

الرابع: أن يستقيء فيقيء، إذا استقاء الإنسان أي: حاول أن يخرج ما في معدته من الطعام والشراب فخرج فسد صومه، وأما إذا قاء غير متعمد فلا يفسد صومه، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيءُ فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض». ومعنى ذرعه القيء أي: غلبه، فلا قضاء عليه، ومن استقاءء  عمداً فليقض.

الخامس: الحجامة إذا ظهر الدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» فإذا احتجم الصائم وخرج منه دم أفطر لهذا الحديث، لا تقل: هذا ليس بأكل ولا شرب والقيء ليس بأكل ولا شرب، بل قل: سمعنا وأطعنا.

السادس: ما كان بمعنى الأكل والشرب: وهو الحقن التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، اذهب المستشفى واسأل فيه عن حقن تحقن بالبدن تغني عن الأكل والشرب، وهناك حقن لا تغني عن الأكل والشرب لكن الذي يفطر هو الأول؛ لأنه يستغنى بها عن الأكل والشرب ويسميها (العوام) المغذي، أما الإبر غير المغذية فلا تفطر، والإبر المقوية لا تفطر، والإبر للدواء لا تفطر سواءٌ كانت في العضلات أو في الوريد أو في أي مكان، لا يفطر من الإبر إلا ما كان مغذياً فقط.

السابع: إنزال المني بلذة بفعل من الصائم، سواءٌ كان بالاستمناء، وهو ما يُسمى بالعادة السرية، أو كان بتمرغ على الفراش، أو كان بتقبيل امرأته، أو بضمها، أو بتكرار النظر إليها، فإن الصوم يفسد؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي في الصائم: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي». وهذه شهوة.

لكن إن أمذى بذلك، أي: قبَّل امرأته فخرج منه المذي فإن الصوم لا يفسد؛ لأنه لا دليل على فساده.

وسأعطيك أيها الأخ السامع إذا شرع الإنسان في العبادة على وجه شرعي فإنه لا يجوز أن يفسدها إلا بدليل شرعي، الأمر ليس إلينا إنما الأمر إلى الله، وهذا الرجل شرع في الصيام واستمر صائماً على وجه شرعي فلا يجوز أن نقول: إذا أمذى فسد صومه، إلا إذا كان عندنا دليل شرعي ولا دليل على هذا، ولا يمكن أن يقاس المذي على المني لما بينهما من الفروق الحسية، والحكمية، والذاتية، فهذا يختلف عن هذا.

الثامن: خروج دم الحيض، فإذا خرج من المرأة دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة، أو أقل فسد صومها، وإن غابت الشمس قبل أن تحيض ثم حاضت بعد الغروب بلحظة فصومها صحيح.

وأما ما اشتهر عند النساء أن المرأة إذا حاضت بعد الفطور قبل أن تصلي المغرب فسد صومها، فهذا لا أصل له، ولم يقل به أحد من العلماء.

فإن قال قائل: ما دليلك على أن المرأة إذا كانت صائمة ونزل منها دم الحيض فسد صومها؟ نقول: دليلنا على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم».

التاسع: خروج دم النفاس، وهو ما يحصل عند الولادة مع الطلق، فإذا أحست المرأة وهي حامل بالطلق ونزل منها الدم فسد صومها، هذا إذا كان قبل الولادة بيومين أو ثلاثة، أما إذا كان الدم قبل هذه المدة فهو دم فساد لا يفسد الصوم.

شروط تحقق الإفطار بالمفطرات.

هذه تسعة مفطرات، ولكن يجب أن نعلم أن هذه المفطرات لا تفطر بمجرد أن يتناولها الصائم بل لا بد لها من شروط ثلاثة:

الشرط الأول: أن يتناول هذه الأشياء ذاكراً.

الشرط الثاني: أن يتناولها عالماً.

الشرط الثالث: أن يتناولها قاصداً مريداً لها.

ضد الذكر النسيان؛ فلو تناولها ناسياً كأن مر بماء وهو عطشان فشرب حتى روي ناسياً فلا شيء عليه.

كذلك أيضاً لو كان جاهلاً لم يعلم أن هذا الشيء يفطر؛ كإنسان احتجم وظن أن الحجامة لا تفطر، فصومه صحيح.

إنسان قبل زوجته فأنزل، لكنه ظن أنه لا يفسد الصوم إلا بالجماع، فلا شيء عليه؛ لأنه جاهل.

إنسان أكل السحور ثم تبين أنه قد أذَّن، أي: طلع الفجر، وأن أكله كان بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه؛ لأنه جاهل.

إنسان سمع صوت مؤذن في آخر النهار فأفطر، فتبين أن المؤذن قد أذن قبل الوقت، فماذا على الذي أفطر؟ لا شيء عليه؛ لأنه جاهل.

الشرط الثالث: أن يكون قاصداً فإن لم يكن قاصداً فلا شيء عليه، كرجل يتوضأ فتمضمض، ثم نزل الماء إلى جوفه فلا شيء عليه؛ لأنه لم يقصد هذا.

امرأة أكرهها زوجها فجامعها وهي صائمة ولم تستطع أن تدافعه، فصومها صحيح ولا شيء عليها.

والدليل على ذلك: أن الأكل والشرب بنص القرآن يفطر، فما الدليل على أن الإنسان إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو غير قاصد لا يفطر؟ الدليل: قال الله عز وجل: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا﴾ [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. فلا يؤاخذنا الله عز وجل لا بالخطأ ولا بالنسيان، وقال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب:55] والذي دخل الماء إلى جوفه غير قاصد ولم يتعمد قلبه أن يشرب ويفسد الصوم.

هذه الأدلة من القرآن وكفى بها أدلة.

أما السنة: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه». وهذا نص في الموضوع.

أما الجهل: فقد أتى عدي بن حاتم رضي الله عنه وكان صائماً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جعل تحت وسادته عقالين -والعقال: الحبل الذي تربط به يد البعير -أحدهما أسود والثاني أبيض، وجعل يأكل -يتسحر- وهو ينظر إلى هذين العقالين، فلما تبين الأسود من الأبيض أمسك، إذاً هذا الرجل أكل بعد طلوع الفجر أم لا؟ نعم قطعاً؛ لأنه لا يتبين الخيط الأبيض الذي هو العقال من الأسود إلا بعد ارتفاع النور، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «إن وسادك لعريض» أي: واسع «إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل». ومعلوم أن بياض النهار وسواد الليل ليس تحت الوسادة ولم يأمره بالقضاء، مع أنه أكل بعد طلوع الفجر، لكنه جاهل لا يعرف معنى الآية تماماً.

دليل آخر: في آخر النهار قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم بالقضاء، وهم الآن قد أكلوا قبل غروب الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنُقل إلينا؛ لأنه إذا أمرهم به صار شريعة، والشريعة محفوظة لا بد أن تنقل.

أما الدليل على القصد فقد سمعتموه من القرآن وهو قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب:5].

الجماع أعظم المفطرات.

أعظم المفطرات الجماع؛ لأن الجماع فيه كفارة مغلظة، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

ودليل هذا هذه القصة الغريبة: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "يا رسول الله، هلكت قال: «وما الذي أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم" هل الرجل الآن متعمد أو غير متعمد؟ متعمد، والدليل أنه قال: "هلكت" فهو عالم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، قال: لا أجد،، قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد، ثم جلس الرجل فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خذ هذا وتصدق به». فقال: يا رسول الله، أعلى أفقر مني؟ -انظر الطمع، جاء على أنه خائف وجل- والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني" لابتيها أي: الحرتين، المدينة ليس فيها أفقر مني، أتدرون ماذا فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ فضحك حتى بدت نواجذه أو أنيابه عليه الصلاة والسلام وقال له: «أطعمه أهلك».

انظروا إلى سماحة الإسلام ويسر الإسلام! لما جاء هذا الرجل تائباً عومل بهذا اليسر، فرجع الرجل إلى أهله وقد خرج منهم خائفاً، رجع إليهم غانماً فرحاً عنده تمر.

المهم أن أعظم المفطرات هو الجماع وفيه ما سمعتم: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيع فإطعام ستين مسكيناً، والمرأة كالرجل إذا كانت مطاوعة، أما إذا كانت مكرهة فلا شيء عليها.

شروط وجوب الصوم.

هل الصوم واجب على كل الناس، أو لا بد فيه من شروط؟

الجواب: لا بد فيه من شروط، واعلم يا أخي وأخص طالب العلم: أن من إتقان هذه الشريعة أن جعلت للعبادات ضوابط بحيث لا تجب إلا بشروط، ولا تسقط إلا بأسباب.

فشروط وجوب الصيام:

1/ أن يكون مسلماً.

2/ بالغاً.

3/ عاقلاً.

4/ قادراً.

5/ مقيماً.

6/ خالياً من الموانع.

الأول: الإسلام وضده الكفر، فالكافر لا نلزمه بالصوم، بل ولا نأمره بالصوم حتى يسلم، لو رأينا كافراً يأكل في البيت في نهار رمضان، لا نقول له شيئاً، ولو خرج إلى السوق نمنعه، لكن في بيته لا نمنعه ولا ننهاه عن الأكل؛ لأنه ليس بمسلم.

الثاني: البلوغ وضد البلوغ الصغر، والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أمور:

1/ تمام خمس عشرة سنة.

2/ إنزال المني بشهوة.

3/ إنبات العانة: وهي الشعر الخشن حول القبل.

وتزيد المرأة بالحيض؛ إذا حاضت ولو لم يكن عمرها إلا عشر سنوات فهي بالغة، والصغير لا يجب عليه الصوم لكن يؤمر به ليعتاده.

الثالث: العاقل وضد العاقل المجنون، وإن شئت فقل: ضد العاقل فاقد العقل؛ ليشمل المجنون، والمغمى عليه، والمخرف لكبرٍ، فكل هؤلاء لا يجب عليهم الصيام، فلو أن إنساناً حصل له حادث في أول يوم من رمضان وبقي مغمى عليه كل الشهر فإنه لا يقضي إلا اليوم الأول؛ لأن اليوم الأول أدرك أوله وهو صاحٍ والباقي لا شيء عليه؛ لأنه ليس معه عقل، كذلك المهذري ليس عليه صيام؛ لأنه فاقد العقل فلا يلزمه الصيام، كذلك أيضاً لو اختل تفكيره بسبب حادث، أو مرض فلا صيام عليه.

الرابع: القدرة وضدها العجز، والعجز إما أن يكون طارئاً يرجى زواله، وإما ألا يرجى زواله، فالذي يرجى زواله نقول للمريض: انتظر حتى يعافيك الله واقض الصوم، والذي لا يرجى زواله كالعجز عن الصوم لكبر، أو لمرض لا يرجى برؤه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كبر يجمع آخر رمضان ثلاثين فقيراً، ويطعمهم خبزاً، وإداماً عن ثلاثين يوماً.

الخامس: المقيم وضده المسافر، فالمسافر يخير: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، والصوم أفضل له إلا أن يشق عليه فالفطر أفضل.

لماذا الصوم أفضل؟

أولاً: لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: لأنه أسرع في إبراء الذمة.

ثالثاً: لأنه أيسر للمكلف.

رابعاً: لأنه يصادف شهر رمضان الذي هو شهر الصيام.

لكن إذا شق عليه ولو قليلاً فالفطر أفضل.

سؤال: ما تقولون في رجل: ذهب إلى مكة لأداء العمرة وهو صائم لكنه في أثناء الطواف والسعي عطش وشق عليه، فهل الأفضل أن يبقى صائماً مع المشقة، أو يفطر؟

الجواب: الأولى له أن يفطر، ولما جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في آخر النهار -العصر- قيل: "يا رسول الله! إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينتظرون ما تفعل، فدعا بماء بعد العصر وشربه والناس ينظرون، فأفطر الناس إلا قليل منهم -كأنهم شحوا باليوم وبقوا ممسكين- فقالوا: يا رسول الله! إن بعض الناس قد صام، قال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة». لأن الصوم يشق عليهم فلم يقبلوا رخصة الله.

فإن قال قائل: أرأيتم لو كان صائماً ثم سافر في أثناء النهار أيجوز له أن يفطر؟ 

الجواب: نعم يجوز له أن يفطر؛ لأنه يصدق عليه قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:184].

فإذا قال قائل: أرأيتم لو أنه قدم إلى بلده وهو مفطر في السفر هل يبقى مفطراً أم يمسك إلى غروب الشمس؟

الجواب أن للعلماء في هذا قولين:

أحدهما: أنه يجب عليه أن يمسك مع القضاء.

والثاني: لا يجب عليه أن يمسك؛ لأنه لو أمسك ما نفعه، إذ لا بد من قضاء هذا اليوم، وهذا القول هو الراجح، أنه إذا قدم المسافر مفطراً لا يلزمه الإمساك؛ لأنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً وليس بصوم.

السادس: الخلو من الموانع، وهذا خاص بالأنثى، فلا تكون حائضاً، فإن كانت حائضاً، أو نفساء فلا صيام عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم».

فإن قال قائل: أرأيتم لو حدث الحيض في أثناء النهار أيفسد صومها؟

الجواب: نعم.

أرأيتم لو أنها كانت مفطرة حال الحيض ثم طهرت في أثناء النهار أيلزمها الإمساك؟

فيه قولان للعلماء، فهي كالمسافر الذي قدم مفطراً، والصحيح: أنه لا يلزمها الإمساك؛ لأنها سوف تقضي هذا اليوم.

ولعلنا نقتصر على هذا القدر، ونسأل الله تعالى أن يخلص لنا ولكم النية، وأن ينفعنا بما علمنا إنه على كل شيء قدير.

والآن إلى الأسئلة، وتكون بين أهل عنيزة، وأهل بريدة، وأهل رياض الخضراء.