شروط التوبة
مدة الملف
حجم الملف :
18019 KB
عدد الزيارات 22588

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا لقاؤنا معكم الثابتُ في كل شهر، في السبت الثالث من كل شهر ليلة الأحد، يتم هذا في شهر رجب عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، وبما أننا في مستقبل الشتاء فإن حديثنا في هذه الليلة سينحصر فيما يتعلق بالطهارة، وقبل أن نبدأ بهذا الموضوع نحب أن نعلق بعض الشيء على ما جاء في سورة البروج في قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج:10] هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات هم أصحاب الأخدود، الذين حفروا في الأرض أخاديد وأوقدوا فيها النيران العظيمة، وعرضوا عليها المؤمنين، فمن استمر على إيمانه ألقوه فيها، ومن كفر نجا منها لكنه لن ينجو من نار الآخرة والعياذ بالله.

هؤلاء القوم يفعلون بالمؤمنين هذا الفعل الشنيع، وهم على هذه النار قعود يتفرجون عليها وكأن شيئاً لم يكن، وهذا يدل على قسوة قلوبهم -والعياذ بالله-، وعلى جبروتهم، وعلى شدة محاربتهم لدين الله -عز وجل-؛ هؤلاء الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات عرض الله عليهم التوبة، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج:10] وفي قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾[البروج:10] دليل على أنهم لو تابوا لقبل الله توبتهم ونجاهم من عذاب جهنم وعذاب الحريق، وعلى هذا نفهم من هذه الآية الكريمة: أن التوبة من الذنوب مهما عظمت فإن الإنسان ينجو من عقابها؛ لأن من صفات الله -عز وجل- العظيمة أن رحمته سبقت غضبه، واعلم أخي المسلم أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة قال الله تعالى عنها: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [غافر:40].

إذا تاب العبد من الذنوب مهما عظمت فإن الله تعالى يتوب عليه، قال الله تعالى: ﴿قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53] واعلم أن قنوطك من رحمة الله، ويأسك من رحمة الله أعظم من ذنبك، كل الذنوب وإن عظمت فإنها في جانب عفو الله يسيرة سهلة ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82] فإذا تاب العبد توبةً نصوحاً خالصةً لله -جعلني الله وإياكم من التائبين، اللهم اجعلنا من التوابين المتطهرين يا رب العالمين- فإن الله يتوب عليه.

واعلم أن التوبة من الذنوب واجبة على الفور لا يجوز للإنسان أن يؤخر فيها، فيبقى على ذنبه وعلى جرمه ويعتمد على التسويف، فيقول لنفسه: إن الله غفور رحيم، ولكن يجب أن يعلم الإنسان أن الله غفور رحيم لكنه شديد العقاب لمن بارزه بالعصيان، استمع إلى قول الله -عز وجل-: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:98] وبعدها: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:98] فبدأ بشدة العقاب، واتل قول الله تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي﴾ [الحجر:49] يعني: أخبرهم ﴿أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۞وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر:50]. فيجب على العبد أن يتوب إلى الله فوراً، إن كان فرط في واجب وهو مما يمكن قضاؤه وتداركه فليفعل، إن كان قد فعل محرماً فليقلع فوراً بدون تأخير؛ وذلك لأن للتوبة شروطاً لا بد من مراعاتها:

من شروط التوبة: الإخلاص لله:
الشرط الأول: الإخلاص لله، أن يخلص العبد في توبته، فيقلع عن الذنب لأنه ذنب ومعصية لله؛ لا لأن الخلق يرونه، بل خوفاً من عقاب الله، يقوم بالواجب لا لأن الخلق يرونه فيمدحونه ولكن لأن ذلك في رضا الله، فالإخلاص لله -عز وجل- أهم أركان وأهم شروط التوبة، لو تاب الإنسان خوفاً من السلطان أتصح توبته؟ لا، ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّه﴾ [التحريم:8] أي: توبوا إلى الله لا إلى غيره ﴿تَوْبَةً نَصُوحاً﴾ [التحريم:8] اللهم حقق لنا الإخلاص.

من شروط التوبة: الندم على ما فات:
الشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنوب، لا بد أن يكون للذنب عنده انكسار وخجل من الله -عز وجل- وخشية منه؛ فيتأسف يقول: يا ليتني لم أفعل، ولكن يقلع عن الذنب، لا بد من الندم، فلا تصح التوبة والإنسان في قلبه أن الذنب وعدمه سواء، ولكن اندم كأن شيئاً محبوباً إليك فاتك، أو كأن شيئاً حصل عليك وأنت تكرهه، اندم على ما مر من الذنب.

من شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب:
الشرط الثالث: الإقلاع عن الذنب في الحال، أن يقلع عن الذنب، إن كان معصية فليبتعد عنها، إن كان إخلالاً بطاعة فليقم بها، فلنضرب لهذا مثلاً: رجل علم أن غيبة الناس حرام، والغيبة: هي ذكر معائب الناس، وذكرك أخاك بما يكره، علم أن هذا حرام، بل هو من كبائر الذنوب على ما نص عليه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله-، فعزم على أن يتوب، ندم على ما فعل، لكن مع ذلك متى حصلت له فرصة في الغيبة اغتاب الناس، فهل تقولون: إن هذا صحت توبته؟ لا، فلا بد أن يقلع في الحال، رجل آخر ترك صلاة جماعة مع قدرته على الجماعة، وقال: إنه تائب. ولكنه ما زال يدع صلاة الجماعة، أتقولون إن توبته صحيحة؟ لا، لماذا؟ لأنه لم يقلع عن الذنب، ومصر على ألا يصلي، كيف التوبة من شيء أنت مصر عليه؟! رجل ثالث كان يتعامل بالغش؛ لأنه صاحب معرض أو صاحب بسطة بطيخ أو غيره، فوبخته نفسه ذات يوم فقال: إني تبت من الغش والخيانة، لكن ما زال يغش، أتصح توبته؟ لا، لا تصح توبته، فلا بد أن يقلع، رجل رابع كان جاره يتأذى منه، يسمع أصواتاً تؤذيه إما أغاني في مسجل أو راديو أو تليفزيون أو غيرها، والجار يتأذى من هذه الأغاني أولاً: لأنها معصية لله -عز وجل-، ثانياً: لأنها تقلق راحته، فقال له: يا أخي، يا جاري! آذيتني بهذا، فلما علم أن جاره يتأذى قال: الآن أتوب إلى الله، ولكنه مصر على ذلك، لم يوقفه ساعةً واحدة في غير ما جرت به العادة، فهل هذا تائب؟ لا، هذا ليس بتائب، لا بد أن يقلع عن الذنب وإلا فلا توبة له.

من شروط التوبة: العزم على ألا يعود:
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود، يعني: أن يعزم في نفسه على أنه لا يعود للذنب، ويجعل بينه وبين نفسه عهداً قائماً ألا يعود إلى هذا الذنب، واستمر في قلبه على أنه متى سنحت له الفرصة عاد إليه، فهل تصح توبته؟ لا، لأنه ما عزم ألا يعود، هو في نفسه تركه الآن لكنه ليس عنده عزيمة على ألا يعود فلا تصح توبته.

من شروط التوبة: أن تكون في وقتها:
الشرط الخامس وهو أشدها: أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة؛ لأنه ليس كل وقت تقبل فيه التوبة، وهنا وقتان لا تقبل فيهما التوبة، جاء ذكرهما في القرآن، أما الأول: فإذا حضر الإنسان الموت فإنها لا تقبل توبته؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء:18] ليس هذا محل التوبة، إذا شاهدت الموت وعرفت أنك مفارق الدنيا قلت: تبت الآن، ما ينبغي، ولما أدرك فرعون الغرق في البحر قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ﴾ [يونس:90] فآمن، فقيل له: ﴿آلْآنَ تؤمن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس:91] أي: لا يقبل منك، ولهذا قال الله فيه: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود:98] كأنك تشاهد رجلاً يمشي أمام قومه يهديهم إلى النار والعياذ بالله، وهو يقول لهم في الدنيا: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر:29] هذا السبيل الذي يهديهم إليه، هداهم إلى النار والعياذ بالله.

هذا الوقت الأول، إذا حضر الإنسان أجله فإن التوبة لا تنفعه، ولو سألت كل أحد منكم: هل تعلمون متى يحضر الأجل؟ لقلتم على لسان واحد: لا نعلم، ومن ادعى أنه يعلم فهو كاذب، وإذا كان كذلك كان وجوب التوبة على الفور؛ لأنك لا تدري أيها الإنسان، فإن كان عليك حق لأحد فبادر بوفائه، إن كان هناك شيء مقصر فيه: زكاة مال ما أخرجتها، كفارة يمين ما أخرجتها، كفارة ظهار، كفارة وطء في رمضان، أو غير ذلك فأخرجها، دين عليك ما قضيته فاقضه، فكم من إنسان عنده أموال كثيرة وعليه ديون ولم يقضها، فمات فجعل الورثة يلعبون بماله ونسوا الحق الذي نفسه معلقة به، فأد ما عليك قبل أن يفوت الأوان.

أما الوقت الثاني: فهو إذا طلعت الشمس من مغربها، الشمس الآن كل من يشاهدها تطلع من المشرق وتغرب من المغرب منذ سخرها العزيز العليم -عز وجل-؛ إلى أن يأذن بخراب العالم، وهي على سيرها، سبحان الله! لا تختلف ولا تزل عنه، ولا تسرع أكثر مما سبق، ولا تتباطأ أكثر مما سبق، ولا تطلع في الشتاء في مطلع الصيف، ولا في الصيف في مطلع الشتاء، بل هي بإذن الله مستمرة على أحسن نظام، فإذا أراد الله تعالى فناء العالم فإن الله يأمرها فتخرج من المغرب، سبحان الله! الشمس التي دائماً تطلع من المشرق تطلع من المغرب! من يقدر على هذا؟ الله -عز وجل-، لا يقدر غيره أحد، ولهذا لما سأل الصحابة -رضي الله عنهم- رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً﴾ [الإسراء:97] قالوا: يا رسول الله! كيف يحشر على وجهه؟ قال:« الذي أمشاه في الدنيا على قدميه يمشيه يوم القيامة على وجهه» الله أكبر! فالذي سخر الشمس أن تطلع من مطلعها شرقاً يسخرها أن تطلع من مغربها غرباً، إذا طلعت الشمس يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «إذا رآها الناس آمنوا أجمعون» كلهم يؤمنون، الكافر منهم والمؤمن، ولكن هل الكافر ينفع الإيمان؟ ﴿لا يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ [الأنعام:158] كل نفس لم تؤمن من قبل أو تكسب في إيمانها خيراً، فإنه لا ينفعها ذلك بعد طلوع الشمس من مغربها؛ ولهذا جاء في الحديث: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها» فيا أخي يا عبد الله! فكر في نفسك، فكر فيما أنت مقصر فيه، أنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمكان، فكر في حق الله: هل ضيعته؟ هل فرطت فيه؟ هل حصل في قلبك رياء؟ هل حصل في قلبك عجب؟ هل حصل في قلبك كراهة للمؤمنين أو حب للكافرين أو إيثار للدنيا على الآخرة؟ أشياء كثيرة، سبل عظيمة، فتن كبرى نسأل الله أن يعصمنا وإياكم منها.

داو قلبك، إذا كنت تداوي قلبك في اليوم مرتين أو ثلاثاً، وتأكل الحبوب للشفاء في اليوم مرتين أو ثلاثاً فداو القلب، ارجع للقلب، لا يمت قلبك، لا يقس قلبك ما دام الأمر بيدك، ووالله إن فناء الجسم أهون من فناء الدين؛ ولذلك الذين عرفوا الحقيقة أفنوا أنفسهم في دين الله -عز وجل-، يعرضون رقابهم لسيوف الأعداء؛ كل ذلك إقامة لدين الله، وإعلاءًَ لكلمة الله، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

المهم يا إخواني! أدعو نفسي أولاً وأدعوكم ثانياً إلى تفقد القلوب، وإلى صقلها ودوائها؛ قبل أن يرين عليها ما كسبت فيطبع عليها والعياذ بالله، أسأل الله لي ولكم الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.

الطهارة:
أما ما يتعلق بالطهارة -وهو الموضوع في هذا اللقاء- فإني أريد من أحدكم أن يقرأ آية الطهارة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]. لكن هنا شيء ننبه عليه -والحمد لله- أن جرى الأمر على ما فيه الخير:

أولاً: استمعتم إلى قرائته يقرأ: وأرجلِكم وأرجلَكم، والذي في القرآن بيننا: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ ﴾[المائدة:6] بالنصب، ولا شك أن القراءة الثانية صحيحة ﴿وأرجلِكم﴾ قراءة سبعية ثابتة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لكن الإنسان الذي يقرأ للتعلم أو للتعليم يقرأ بكل القراءات، والذي يقرأ بين العامة في بلد لا يفهم فيه إلا قراءة واحدة لا ينبغي أن يخرج عن هذه القراءة الواحدة؛ لأن العامي لا يدرك، فإما أن ينتقد القارئ ويقول: لا يا أخي، وإما أن يحاول تقليد القارئ فيغلط؛ لأنه عامي، لذلك أنصح إخواننا الذين يعرفون عدة قراءات ألا يقرءوا في البلد إلا ما يعرفه عامهم، وما كان موجوداً في مصاحفهم؛ لئلا يحصل البلبلة والشك.

ثانياً: بعض الناس -مثلاً- يأخذه النفس فلا يستطيع أن يكمل الآية فيقف على جملة، ثم يعيد ما قبلها عند إرادة استئناف القراءة، يعيد ما قبلها بناءً على أن ما بعدها متعلق بها ولا يدري أن الذي قبلها متعلق بالذي قبلها -أيضاً- فمثلاً: لو قرأ قارئ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [المائدة:6] فانتهى صوته إلى قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة:6] هنا لا يحسن أن يعود فيقول: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [المائدة:6] لو أعاد قلنا: أعد الشرط -أيضاً- حتى تعيد جواب الشرط مع الشرط، لكن الحمد لله ما دام وقفت لعذر فابدأ من حيث وقفت، ولا حاجة إلى أن تعيد ما قبله.

أما الآية الكريمة فسمعتم أن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة:6] ولو سألت أي واحد منكم: ما معنى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة:6] لقال: هذا خبر أو نداء؟ نداء، ينادينا ربنا -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة:6] إذاً يجب أن نستمع، ماذا تريد يا ربنا؟ ولهذا قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرعها سمعك -استمع- فإما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه" كل موضع في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لا بد أن يكون هناك خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، أو قصة نافعة ينفعك الله بها. 

صفة الوضوء في القرآن:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة:6] قمتم: أي أردتم القيام، والصلاة هنا شاملة للفريضة والنافلة ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة:6] وهذا أول ركن من أركان الوضوء وما قبله سنة، ما هو الذي قبله؟ التسمية، غسل الكفين ثلاثاً، هذه سنة، إن جاء بها الإنسان فهو أكمل وإن لم يأت بها فلا حرج عليه ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة:6] غسلاً بدون فرك، وإن دلكت فلا بأس لا سيما إذا كان على وجهك شيء من الدهن، فهنا يتأكد أن تدلك الوجه؛ لأن الدهن يزل معه الماء.

والوجه من الأذن إلى الأذن، إذاً الشعر الذي بين الخد والأذن يعتبر من الوجه، هذا في العرض.

في الطول: من منحنى الجبهة -سواء كان الشعر نازلاً عنه أو صاعداً عنه- من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية، لا بد أن يغسل هذا كله، ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق، فلو قال قائل: إن الله لم يذكر المضمضة والاستنشاق، فالجواب سهل جداً: أين محل الأنف الذي هو محل استنشاق؟ وأين محل الفم الذي هو محل المضمضة؟ الوجه، إذاً هما داخلان في غسل الوجه، وغسل الأنف بالاستنشاق وغسل الفم بالمضمضة، قال الله تعالى: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة:6] إلى المرافق معناه، أين المبتدأ؟ أطراف الأصابع؛ لأنه لما قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة:6] صار لا بد أن يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق، والمرافق داخلة في الوضوء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين ذلك، وهنا نقف لننبه على ما يغفل عنه كثير من الناس حيث كانوا يغسلون اليد من الكف إلى المرفق ظناً منهم أن غسلها قد تم قبل غسل الوجه، وهذا غير صحيح، ولا بد أن تغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وإذا كان على الإنسان جبة يصعب أن يحلها، ماذا يصنع أيمسح عليها؟ أليس لباس الرجلين -الخفين- يمسح عليه؟ لماذا لا نقول: إذا كان عليه جبة وكان الكم ضيقاً امسح عليه؟ نقول: لا، لا، يجوز، والدليل على هذا: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في غزوة تبوك -وتبوك كما تعلمون باردة- كان عليه جبة ضيقة الأكمام، فلما تعسر عليه أن يخرج ذراعه منها أخرج اليد، وغسلها، إذاً لا بد أن تغسل يديك بكل حال، ولا يمكن المسح. قال الله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ [المائدة:6] ولم يقل اغسلوا تخفيفاً على العباد؛ لأنه لو ألزمنا بغسل الرأس لقلنا: سمعاً وطاعة، ولكن الرب الرحيم -عز وجل- جعل فرض الرأس المسح؛ لأن الرأس مترئس، ولو غسله الإنسان لساح الماء على جسده، وماذا يحصل من المشقة خصوصاً في أيام البرد؟ يحصل مشقة عظيمة، ولأن الرأس في الغالب مكسو بالشعر، والشعر إذا صببت عليه ماء أو غسلته متى ييبس؟ يأخذ مدة، فكان من حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن جعل فرض الرأس المسح، لم يذكر الله الأذنين، فنقول: أين محل الأذنين؟

الجواب: في الرأس، وإذا كانتا في الرأس فهما داخلتان في عموم قوله: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ [المائدة:6] والحمد لله على بيانه، فمهما حاول الإنسان أن يسقط مسح الأذنين لم يتمكن؛ لا من القرآن ولا من السنة، أما السنة فقد تواتر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو استفاض عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يمسح أذنيه مع رأسه، ولكن كيف يمسح الرأس؟ امسح الرأس كما شئت، بيد واحدة تبرمها على الرأس كله أو باليدين الاثنتين، والمسحة الواحدة تكفي، لكن الأفضل أن ترجع من مقدم الرأس من عند الجبهة (هكذا بيديك على رأسك) ثم تمرهما على الرأس إلى الرقبة ثم تعود إلى المكان الذي بدأت منه، ثم تمسح الأذنين كل أذن بيد، إلا إذا لم تستطع بإحدى اليدين فابدأ بالأذن اليمنى قبل اليسرى.

كيف تمسح الأذنين؟ مسح الأذنين سهل، أدخل السبابة في الصماخ -في الفتحة- أدخلها إدخالاً فقط بدون أن تبرمها؛ لأن إبرامها يعني تكرار المسح، وأمر الإبهام على ظهر الأذن مرة واحدة؛ ولهذا قال العلماء: كل ممسوح فتكرار مسحه مكروه، انظر إلى الضابط: كل ممسوح فتكرار مسحه مكروه؛ الرأس، الخفين، الجبيرة في التيمم مسحة واحدة، لكن انظر الفقه في الدين، لماذا كره العلماء أن يكرر المسح؟ قالوا: لأن الله -سبحانه وتعالى- خفف في طهارته فجعلها مسحاً، وتخفيف الكيفية يدل على أن تخفيف الكمية أفضل، الكمية ماذا تعني؟ العدد، والكيفية: المسح بدل الغسل، فإذاً نقول: لا تكرر مسح الرأس ولا مسح الأذنين.

قال الله -عز وجل-: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:6] أي: اغسلوا أرجلكم إلى الكعبين، والكعبان هما: العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهما داخلان في الغسل. وينبغي أن يخلل الإنسان بين أصابعه لا سيما أصابع الرجلين المتلاصقة؛ لأن الناس يختلفون في أصابع الرجلين، بعضهم تكون أصابعه متلاصقة، وبعضهم منفرجة، وبعضهم الإبهام مع التي تليها منفرجة والباقي متلاصق، ومع ذلك كله نقول: إن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال للقيط بن صبرة: «خلل بين الأصابع» فالتخليل بين الأصابع سنة، والواجب أن تتيقن أو يغلب على ظنك أن الماء دخل من بين الأصابع.

انتهى الوضوء.

الواجب في الجنابة:
ما الواجب في الجنابة؟ اسمع قول الله -عز وجل-: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة:6] كلمة واحدة: ﴿فَاطَّهَّرُو﴾ [المائدة:6] فالذي عليه الجنابة ليس عليه إلا أن يطهر، ما عليه وضوء، عليه أن يطهر فقط؛ لأن الله ذكر الوضوء في مقابل الحدث الأصغر، الجنابة ما ذكر إلا كلمةً واحدة وهي: ﴿فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة:6] فلنسأل أولاً: من الجنب؟ الجنب: هو الذي أنزل المني بلذة، أو جامع زوجته وإن لم ينزل، فمتى جامع الرجل زوجته فقد أجنب سواء أنزل أم لم ينزل، ومن أنزل منياً لشهوة فقد أجنب سواء جامع أم لم يجامع، حتى لو فكر الإنسان وأنزل منياً فهو جنب يجب عليه الاغتسال.

فلو أن الإنسان اغتسل فغسل أسفل جسمه قبل أعلاه فذلك يصح؛ كأن بدأ بغسل أفخاذه وسيقانه وأسفل بطنه، ثم أفاض الماء على أعلى جسده، أيجوز أو لا؟ يجوز، لماذا؟ لأن هذا يصدق عليه أنه تطهر؛ إذا عمم بدنه بالماء فقد تطهر، لكن لا شك أن الأفضل في الغسل أن يفعل الإنسان ما فعله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فماذا فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الغسل؟ نظف فرجه من آثار الجنابة، ثم توضأ وضوءه للصلاة، أي: وضوءاً كاملاً بالمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، ثم أفاض على رأسه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده، ثم صلى، هذه كيفية الغسل المسنونة المستحبة.

وأما إفاضة الماء على الجسد كله بدون هذا الترتيب فهو الغسل الواجب، وهو مجزئ ويكفي، وقد صلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ذات يوم بأصحابه فإذا رجل منعزل لم يصل، قال له الرسول: «تعال، ما الذي منعك أن تصلي؟» قال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء؟ إذا أصابته جنابة يجب عليه؟ الغسل، والرجل لا يدري أن التيمم يكفي، فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «عليك بالصعيد فإنه يكفيك» يريد بذلك التيمم «فإنه يكفيك» يعني: عن الاغتسال، والظاهر أن الرجل تيمم وصلى، ثم جيء إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بماء في مزادة -قربة كبيرة- وكان القوم عطاشاً فاستقوا وسقوا الركاب، ومن توضأ توضأ، فبقي شيء فأعطاه الرجل وقال له: «خذ هذا فأفرغه على نفسك» أي: عن غسل الجنابة، ولم يقل له الرسول: توضأ أولاً وأفض على رأسك ثلاثاً، قال: «أفرغه على نفسك» فدل هذا على أن الإنسان إذا اغتسل من الجنابة فعم بدنه بالماء كفاه على أي صفة كان.

وعليه فلو انغمس الإنسان في بركة أو في غدير -مجتمع ماء- بنية الغسل من الجنابة، ثم خرج وتمضمض واستنشق ومضى وصلى، فإن ذلك يجزئ؛ لأنه تطهر وتمضمض واستنشق، فارتفعت عنه الجنابة.

أحكام التيمم:
يقول -عز وجل-: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾ [المائدة:6] إذا لم نجد الماء وعلينا وضوء أو غسل فعلينا بالتيمم، بأن نتيمم صعيداً طيباً، والمراد بالطيب هنا: ضد الخبيث، والخبيث يعني: النجس، أي صعيد نتيمم به؟ هل لا بد أن يكون الصعيد فيه تراب؟ الآية مطلقة: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبا﴾ [المائدة:6] المهم أن يكون طاهراً سواء كان فيه تراب، فيه غبار أم لا، فمثلاً: لو أن الأرض أمطرت وصارت ندية ليس فيها تراب، أيجوز التيمم عليها؟ نعم يجوز.

أرض رملية ليس فيها إلا رمل نقي ليس فيه غبار، هل يجوز أن يتيمم عليها؟ نعم، أرض صخرية ليس فيها إلا حجارة نظيفة، الرياح قد أزالت عنها الغبار، يجوز التيمم عليها؟ نعم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾ [النساء:43] ولم يقيده بشيء إلا أنه طيب، وجاءت السنة موافقةً للقرآن في قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته» كيفية التيمم سهلة يا إخوان: التيمم تعبد لله -عز وجل- بتعفير الوجه واليدين بالتراب أو بما هو مظنة التراب ليكون بذلك متطهراً، فكم أعضاء التيمم؟ التيمم له عضوان فقط هما: الوجه واليدان؛ لأن أهم شيء في التيمم التعبد لله -عز وجل-، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان ليس يرى طهارةً حسية بالتيمم لكن والله فيه طهارة معنوية، ما هي؟ طهارة القلب والتذلل لله -تبارك وتعالى- بالتعبد له، لو أن أكبر ملوك الدنيا قال لك أو لأحد منكم: اضرب الأرض بيديك وامسح بهما وجهك تعظيماً لي، أتطيعونه؟ لا والله، والله لا نطيعه، لو يقطعنا لحماً، لكن ربنا -عز وجل- لما قال لنا هذا قلنا: سمعنا وأطعنا، سمعاً وطاعة؛ ولذلك لما كان المقصود التعبد اختص التطهير بهذين العضوين: الوجه؛ لأنه أشرف من الرأس، واليدين؛ لأنهما أشرف من الرجلين.

والإنسان إذا تعبد لله -عز وجل- بتعفير هذين العضوين الأكملين فتعفير ما دونهما من باب أولى، ولذلك اختص التيمم بهذين العضوين وهما: الوجه والكفان، كم مرة تمسحها؟ مرة واحدة؛ لأني أعطيتكم قبل قليل قاعدة مفيدة وهي: أن الممسوح لا يكرر مسحه، تبدأ بالتيمم بالوجه أو باليدين؟ بالوجه؛ لأن الله تعالى بدأه فقال: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ [المائدة:6] ولقد أعطانا إمامنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قاعدة مفيدة، لو وجدتها -أيها الإنسان- في كتاب لاتبعتها وقلت: ما أظرف صاحب الكتاب، ماذا أعطانا؟ (لما أقبل على الصفا بعد الطواف بالبيت ودنا من الصفا قرأ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة:158] وقال:« أبدأ بما بدأ الله به» سبحان الله! فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قاعدة وهي البداءة بما بدأ الله به، هنا في التيمم بدأ الله بماذا؟ بالوجه، قال: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة:6] فلو بدأ المتيمم بيديه ثم وجهه أيكون ممتثلاً لأمر الله؟ بناء على القاعدة التي أصلها الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يكون ممتثلاً، لكن العلماء -رحمهم الله- ولا سيما الفقهاء منهم أهل القياس قالوا: يجب أن نبني طهارة التيمم على طهارة الماء، فما يشترط فيه الترتيب من طهارة الماء يشترط فيه الترتيب في طهارة التيمم، أفيدوني ما الذي يشترط فيه الترتيب من طهارة الماء؟ الوضوء -يا إخواني- أن تغسل الوجه أولاً ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين، لكن الغسل ليس فيه ترتيب، اغسل أي شيء منك قبل الثاني فلا يضر، العلماء من أهل القياس قالوا: نقيس طهارة التيمم على طهارة الماء، فالتيمم عن الجنابة لو أخل فيه بالترتيب لم يضر، والتيمم عن الوضوء لا بد فيه من الترتيب؛ لكن لا شك أن الأحوط للإنسان سواء في طهارة الجنابة أو في طهارة الوضوء أن يرتب فيبدأ بالوجه أولاً ثم باليدين ثانياً.

هل يمسح اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين؟ لا، لأن الله لما أراد المرفقين، لما أراد أن تكون غاية المرفقين قيد فقال في الوضوء: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة:6] في التيمم ما قال: إلى المرافق، إذاً التيمم إلى الكفين فقط بدون زيادة، لو أراد الإنسان أن يزيد ومسح الذراع بالتيمم قلنا: هذا بدعة، وإن قال به بعض العلماء لكن كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

الحرص على الطهارة والحذر من الوسواس:
فيا أخي المسلم! احرص على الطهارة، ولكن لا يغلبك الوسواس وتشك في كل وهم يطرأ عليك؛ فإن بعض الناس يتوهم أنه أحدث إما بريح وإما بخروج شيء من ذكره، ثم يتذبذب هل يتوضأ أم لا يتوضأ؛ ثم بعض الناس يقول: لماذا أتذبذب؟ يحدث حالاً وينتهي الموضوع، وهل هذا حل؟ لا؛ لأنه لو تطهر ثانيةً فسوف يعود عليه الوهم، فهل يذهب ويحدث مرة أخرى؟ يبقى الذي في بطنه وهذه مشكلة! على كل حال: لا تنخدع بالوسواس، فإن نبيك -عليه الصلاة والسلام- وجزاه الله عنا خيراً أعطانا راحة نستفيد منها، معنى الحديث قال: «إذا أحس أحدكم بشيء في بطنه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» الحمد لله أنت معذور ما دمت لم تتيقن فلا يهمنك الوهم حتى لو كان عندك (99%) أنك أحدثت (1%) أنك لم تحدث ماذا تفعل؟ خذ بالواحد وهو أنك لم تحدث، لو قال قائل ما ذكرته لكم قبل قليل: إنه سيحدث لكي يجزم بأنه أحدث ويتوضأ، وآخر قال: لا أحدث، لكن أتوضأ احتياطاً، والثالث قال: أنا لا أتوضأ ولا أحدث، فأيهم أحق بالصواب؟ الثالث أحق بالصواب، الحمد لله، نعمة؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لو كان يعلم أن في كونه يحدث على اليقين خيراً لأرشد إليه، ولو كان يعلم أن غلبة الظن معمول بها هنا لأرشد إليها، لكنه -عليه الصلاة والسلام- لم يرشد إلا إلى الشيء المتيقن الذي يدركه الإنسان بحسه، يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، فإياك أن تتوهم.

حسن لو قال قائل: أحس بحركة ذكره فهل يلزمه أن يستبرئ ويخلع سرواله ويقول: أريد أن أرى؟ لا يلزمه، ولا يفعل؛ لأنه في العادة أن الإنسان إذا عصر ذكره سوف يخرج منه شيء، فليجتنب هذا، ولا يهتم به، وعليه بالصراط المستقيم، صراط النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» ولم يرشد -أيضاً- إلى الاستبراء، ما قال يعني: فكر، ابحث، ولكنه قال:«لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً».

أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لاتباع سبيله، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه على كل شيء قدير.

ولنأخذ الآن جزءاً يسيراً من الأسئلة؛ لأنه طال بنا الحديث، وما كنت أظنه أن يطول هذا الطول، لكن الأسئلة الآن بأيدينا، إذا شئنا زدنا خمس دقائق أو عشر دقائق أو ما تيسر.