وقفات من غزوة الحديبية
مدة الملف
حجم الملف :
10552 KB
عدد الزيارات 9692

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإننا في لقائنا هذا لقاء شهر ذي القَعْدة عام اثني عشر وأربعمائة وألف في الجامع الكبير في عنيزة نبحث فيما هو مناسب للحال؛ ألا وهو تذكير الأمة بما جرى لنبيها محمد -صلى الله عليه وسلم- في غزوة هي من أهم الغزوات ألا وهي غزوة الحديبية.

سبب الغزوة: 

غزوة الحديبية كان سببها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعتمر في شهر ذي القَعْدة -وهو من أشهر الحج- وذلك في السنة السادسة من الهجرة، أراد ذلك؛ لأن العرب في جاهليتها تنظر إلى الحج والعمرة نظرة مادية لكسب المال، فكانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج لا تجوز، وأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويقولون: إذا عفا الأثر -يعنون: أثر المسير- وبرأ الدَّبَر -يعني: الجروح التي تكون على الرواحل من الشدِّ عليها- وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبطل هذه العقيدة، وخرج في ذي القَعْدة، وهو من أشهر الحج، بل وهو أوسط أشهر الحج؛ لأن أشهر الحج ثلاثة: شوال وذو القَعْدة وذو الحجة.

خرج معتمراً؛ ليبين أن الشرع يخالف هذه العادة أو هذه السنة التي سنها أهل الجاهلية، وأن العمرة في أشهر الحج مشروعة مقرِّبة إلى الله -عز وجل-، فخرج -عليه الصلاة والسلام- من المدينة متوجهاً إلى مكة في السنة السادسة من الهجرة.

ولما علمت بذلك قريش أخذتها الأنفة والكبرياء وحميّة الجاهلية، فمنعوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- حين وصل الحديبية.

والحديبية مكان بين مكة والمدينة على طريق جدة بعضها من الحرم وبعضها من الحل.

نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- هناك، وجعل يراسل قريشاً ليدخل ويعتمر ويخرج من مكة لا يتعرض لأحد، ولكن قريشاً في كبريائها وغطرستها منعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: لا يمكن أن يتحدث الناس أننا أخذنا ضغطة -يعني: أخذنا كرهاً- حيث دخل عدونا -وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى بلادنا.

وجرت المراسلات بينهم، حتى أرسل إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ليفاوضهم، وفي النهاية اتفقوا على الشروط التي سنذكرها.
جاء الكاتب ليكتب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» لأن هذه البسملة هي بسملة الرسل، قال الله تعالى عن سليمان حين كاتب بلقيس ملكة اليمن في سبأ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] أملى النبي -صلى الله عليه وسلم- على الكاتب أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مندوب قريش: نحن لا نعرف الرحمن الرحيم، لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم، اكتب باسمك اللهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اكتب باسمك اللهم» تنازل، وسبب تنازله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما نزل الحديبية كان إذا وجه ناقته نحو مكة بركت وأبت أن تسير، وإذا وجهها إلى الخلف سارت؛ فقال الصحابة -رضي الله عنهم-: خلأت القصواء، خلأت -يعني: حرنت- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(والله ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق).

انظر كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدافع عن البهائم، لا يريد الظلم ولا أن تظلم البهيمة: «ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق» بل هي سهلة لينة منقادة مع قائدها، لا تبرك إلا حيث بركها، ولا تثور إلا حيث ثوّرها «ولكن حبسها حابس الفيل» الفيل الذي أرسله أبرهة إلى مكة ليهدم الكعبة به فحبسه الله تعالى، والقصة مشهورة في سورة الفيل.

المهم أن الكاتب لما أراد أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأبى مندوب قريش قال: «اكتب باسمك اللهم» ثم قال: «اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله قريشاً» قال مندوب قريش: لا تكتب رسول الله، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال: (اكتب محمد بن عبد الله) ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: «والله، إني لرسول الله وإن كذبتموني» ثم جرى الصلح، صلحاً عجيباً. وكان من شروط الصلح التالي:

الأول: أن توضع الحرب بينهم عشر سنين.

الثاني: أن من شاء أن يدخل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل، ومن شاء أن يدخل في عهد قريش دخل.

الثالث: أن من جاء من المسلمين إلى قريش فإنهم لا يردونه، ومن جاء من قريش إلى المسلمين فإنهم يردونه.

ما تقولون في هذا الشرط؟ شرط جائر، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- التزم به؛ لأن فيه تعظيم حرمات الله.

الرابع: أن يرجع من عمرته هذه ولا يكمل العمرة، مع أنه لو جاء رجل مشرك من أقصى نجد لأذنت له قريش أن يدخل مكة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الذين هم أولى الناس بالمسجد الحرام يحرموا منه.

الشرط الخامس: أن يرجع النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يكمل عمرته وفي العام القادم يدخل مكة لكن معه السيوف في جرابها، ولا يمكث فيها إلا ثلاثة أيام فقط ثم يخرج.

جرى الصلح على هذه الشروط وحصل في هذا أخذ ورد من الصحابة، ومن أشد من تكلم في هذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقد ناقش النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الصلح، فقال: (كيف نرجع يا رسول الله؟! ألست تحدثنا أننا ندخل مكة ونطوف بالبيت؟! قال: «نعم، كنت أقول هذا، ولكن هل قلت لك: إنك تدخلها هذا العام؟» قال: لا، قال: «إنك آتيه ومطوّف به» ولكن في سنة أخرى، ثم قالوا: «يا رسول الله! كيف نعطيهم: إن من جاء منهم مسلماً رددناه إليهم ومن ذهب منا إليهم لا يردونه إلينا؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «أما من جاء إلينا ثم رددناه إليهم فسوف يجعل الله له فرجاً ومخرجاً وأما من ذهب منا إليهم» يعني: قد اختار لنفسه ما اختار.

وبعد ذلك أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن ينحروا هديهم، وأن يحلوا من إحرامهم، ويحلقوا رءوسهم، ويرجعوا إلى المدينة، فكأنهم -رضي الله عنهم- لشدة الأمر وشدة وقعه في نفوسهم تأخروا بعض الشيء، يرجون أن يكون هناك نسخ لما حصل، وليس قصدهم عصيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يرجع، فلما تلكئوا بعض الشيء دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة -إحدى أمهات المؤمنين- وكانت امرأة عاقلة، فرأته مغضباً فقالت: ما الذي أغضبك؟ قال: «أمرت الناس بكذا وكذا ولكن لم يفعلوا» قالت: أتريد أن يفعلوا؟ قال: «نعم،» قالت: اخرج وادعوا الحلاق واحلق رأسك، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- فدعا الحلاق فحلق رأسه، فجعل الناس يحلقون رءوسهم حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً.

سبحان الله! اقتداء الناس بأفعال الإنسان أكبر من اقتدائهم بأقواله، فحلوا ورجعوا.

الذي حصل أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- التزم بالعهد، فقدم رجل إلى المدينة مسلماً من قريش، ثم قال للرسول -عليه الصلاة والسلام-: إنه جاء مسلماً مهاجراً لا يريد الرجوع إلى قريش.

فإذا برجلين من قريش قد أتيا خلفه يطالبون برده إلى قريش، فأعطاهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- الرجل وفاءً بالعهد.

فلما كانوا في أثناء الطريق قال أبو بصير لأحد الرجلين: أرني سيفك، ما أحسن هذا السيف! وما أجوده! وصار يثني على السيف، أعطني إياه أنظره، فلما أعطاه إياه سله من غمده ثم ضرب به رأس صاحبه، وإذا برأسه قد بان من جسده، وأما القرشي الآخر فقد هرب إلى المدينة خوفاً أن يقتله، فلما هرب إلى المدينة ووصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا بأبي بصير وراءه فقال: يا رسول الله! إن الله قد أوفى بعهدك، أما العهد الذي بينك وبينهم فقد وفيت به وسلمتني إليهم، وأما أنا فأنجاني الله منهم، فلا تردني إليهم -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويل أمه مِسْعر حرب لو يجد من ينصره» تعجب منه! وقال: «ليس بهين لو يجد من ينصره» ولما قال هذه الكلمة وقعت من أبي بصير موقعها وعرف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سوف يرده إليهم، فخرج من المدينة هارباً ونزل على سيف البحر، وهو طريق قريش من الشام إلى مكة.

وتعرفون حاجة قريش إلى الشام، فإنه في أيام الصيف لا يتجرون إلا من الشام: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ۞ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ [قريش:1-2] الشتاء إلى اليمن ، والصيف إلى الشام.

فمكث هناك وسمع بعض رجال المسلمين الذين في مكة أن أبا بصير هناك وأنه يترصد عير قريش، وما جاء من عير أخذه، فاجتمع إليه نفر، فصار كلما جاءت عير قريش أخذوها؛ لأن مال قريش حلال، فهم كفار محاربون، ليس بينه وبين هؤلاء الذين خرج منهم عهد، فأرسلت قريش إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالت: اكفنا شر هؤلاء النفر وردهم إلى المدينة، فرجع أبو بصير ومن معه إلى المدينة، فكان هذا مصداق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إن من رددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً» هذه القصة فيها عبر عظيمة وكثيرة، تكلم على بعضها ابن القيم في زاد المعاد، وفيها منقبة لهؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم-.

المنقبة هي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلس تحت شجرة في الحديبية، وجعل الناس يبايعونه على ألا يفروا أبداً، وسبب هذه المبايعة أن الناس تحدثوا أن عثمان بن عفان رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قريش قُتل، والرسول لا يُقتل حتى في الكفر لا يقتلون الرسول المفاوض، فبايع على أن يقاتلهم إذا كانوا قد قتلوا عثمان، ولكن عثمان -رضي الله عنه- لم يقتل، لكن حصلت لهم هذه المبايعة التي فيها عزهم، وأنزل الله في هذه المبايعة: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح:18] وهو الصلح وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [الفتح:19].

أما عثمان فرجع سالماً، وكان -رضي الله عنه- له قبيلة ذات جاه في قريش، فقالوا له: يا عثمان، أنت قدمتَ إلينا وهذا البيت انزل فطف به، قال: والله ما أطوف به ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- محصور عنه أبداً، وأبى أن يطوف بالبيت مع تيسره له؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محصور عنه، ثم رجع سالماً قائماً بالهدف الذي أرسل من أجله، قد يقول قائل: إنه فاتته هذه المبايعة؛ لأنه كان حين المبايعة في مكة، ولكننا نقول: إن هذه المبايعة لم تفته -رضي الله عنه-، فقد وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى يديه على الأخرى وقال:(هذه يد عثمان) فبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- لعثمان بنفسه؛ فكانت يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعثمان خيراً من يد عثمان لعثمان، سبحان الله! أنا أريد منكم أن تقرءوا هذه القصة في زاد المعاد؛ لتعتبروا بما فيها من العبر، كما أريد أيضاً أن تقرءوا جميع سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففيها -والله- زيادة الإيمان، وفيها زيادة المحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وفيها العبر في التوحيد، وفي الفقه، وفي الخلق، وفي كل شيء، إنها سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- خير الخلق وأسدهم رأياً وأرجحهم عقلاً -عليه الصلاة والسلام-؛ لذلك اشتروا هذا الكتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" وطالعوا فيه السيرة، كما أن هذا الكتاب فيه فوائد طبية استخلصها بعضهم ووضعها في كتاب مستقل، وحدثني طبيب أمريكي أسلم وحسن إسلامه -حدثني هنا في بلادنا- أنه استفاد من الطب النبوي، حتى إنه يقول: من جملة ما حملني على الإسلام ما وجدت فيه من النظافة والأخلاق الفاضلة الطيبة، منها: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه» يعني حسبه من الأكل والشرب لقيمات يقمن صلبه «فإن كان لا محالة -يعني: لا بد أن يأكل- فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» ولو أنا طبقنا هذا ما أصابنا مرض من داء البطنة، ولكن نحن نأكل حتى نملأ البطن طعاماً، ويقول بعض الناس: سأملأ بطني طعاماً، وأما الماء فهو دقيق يجد منافذ، وأما النفس فهو حربة يشق عن نفسه، لكن كل هذا خطاء، كل قليلاً، ومتى جعت فكل ثانياً حتى تعطي الجسد غذاءه شيئاً فشيئاً على وجه يتحمله.

وقد ضرب بعض الناس مثلاً للمعدة برجال عمال أعطوا أعمالاً كثيرة ترهقهم، فجعلوا يعملون، فإذا هم في مدة قصيرة قد تعبوا وتمزقت قواهم.

أما إذا أعطيت المعدة ما ينفعها بدون مشقة عليها، فهذا خير لها وللبدن، وبإذن الله لن تصاب بأمراض تتعلق بالبطنة، إذا مشيت على ما أرشد إليه رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.

المهم أن سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قرأها الإنسان بتأمل واعتبار نفعته نفعاً عظيماً، نحن نتذكر هذه الغزوة ونعرف مدى ما يضمر المشركون للمسلمين، والحقيقة أننا في زمننا هذا -مع الأسف الشديد- في غفلة شديدة، نظن أن المشركين أو الكفار من اليهود والنصارى نظن أنهم أولياء لنا، ولكننا نقول إيماناً وعقيدة: إنهم أعداء لنا، نقول ذلك إيماناً وعقيدة، قبل أن نستشهد بالحوادث التي تقع منهم؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73]، ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1] أما الوقائع فأنتم ترون ما حدث من الطائفة اليهودية كاستحلالها بيت المقدس، وليسوا بأهله.

من أهل بيت المقدس؟ المسلمون، لا نقول: العرب أيضاً، فالعرب إذا لم يكونوا على دين الله فليسوا أهلاً له؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] هؤلاء هم أهل الأرض الذين يستحقون أن يعيشوا عليها، وقال موسى لقومه وكانوا هم المؤمنين في ذلك الوقت: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة:21] لأنهم يقاتلون قوماً جبارين كفاراً، فكانوا أحق بالأرض منهم.

أما بعد: أن فتحت أرض الشام على أيدي المؤمنين فهم أهلها وهم أحق بها، وأقول والعلم عند الله: لا يمكن أن تسترد الشام -وأخص بذلك فلسطين- إلا بما استردت به في صدر هذه الأمة، بقيادة كقيادة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- برجال كجنود عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا يقاتلون إلا لتكون كلمة الله هي العليا.

فإذا حصل هذا للمسلمين فإنهم سيقاتلون اليهود حتى يختبئ اليهودي خلف الشجرة فتنادي الشجرة: يا مسلم! يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.

أما ما دام الناس ينظرون إلى هذه العداوة بيننا وبين اليهود على أنها عصبية قومية فلن نفلح أبداً؛ لأن الله لن ينصر إلا من ينصره، كما قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۞ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41].

فنحن إذا رأينا صدر هذه الأمة نجد أنها انتصرت على أساس التوحيد، الإخلاص لله، الاتباع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، البعد عن سفاسف الأمور، عن الأخلاق الرديئة، عن الفحشاء والمنكر، عن تقليد الأعداء، والمشكل أن من الناس اليوم من يرى أن تقليد الكفار عز وشرف، ويرون أن الرجوع إلى ما كان عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه تأخر وتقهقر، طبق ما قال الأولون: وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:32].

فعلينا -أيها الإخوة- أن نرجع؛ لنقرأ ونتأمل فيما سبق في صدر هذه الأمة، حتى نأخذ بما كانوا عليه من تمسك وعبودية وحينئذٍ يكتب لنا النصر.

وإني أقول وأكرر: يجب علينا أن نحذر من شرور أنفسنا، وأن نحذر من شرور الكفار والمنافقين وأتباعهم، ونسأل الله تعالى أن يكتب لنا ولكم النصر لدينه، وأن ينصرنا به وينصره بنا، وأن يجعلنا من أوليائه وحزبه إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.