أخطأت وتابت ولا زالت تشعر بالذنب
مدة الملف
حجم الملف :
2978 KB
عدد الزيارات 3807

السؤال:

بارك الله فيكم فضيلة الشيخ تقول هذه السائلة من ليبيا: إنها أخطأت مرة وتابت ودعت الله كثيراً أن يغفر لها، تقول: ولكنني لدي شعور دائماً بالذنب فبماذا تنصحونني يا فضيلة الشيخ مأجورين؟

الجواب:


الشيخ: أقول: إن هذه المرأة التائبة كونها تشعر دائماً بذنبها، يدل على أن توبتها صادقة؛ لكثرة النذر معها على ما فعلت من معاصي، ولكني أقول لها: أبشري، فإن حال الإنسان بعد التوبة تكون أكمل من حاله قبل فعل المعصية؛ لأنه يحصل له بالتوبة الإنابة إلى الله والانطراح بين يديه، والتبرؤ من الحول والقوة، والتبرؤ من الإعجاب بالنفس، واستصغار النفس، واحتقارها أمام عظمة الله، وكل هذه معان جليلة ترقى بالإنسان إلى درجة أكمل مما كان عليه قبل التوبة؛ لأن مثل هذه الأمور مفقودة من قبل، وعلى هذا فلتبشر بالخير، وأن تنتهي عما حصل من المعصية فإنها قد غفرت، وزالت وانمحى أثرها، ولتتذكر ما جرى لآدم عليه الصلاة والسلام حيث نهاه الله أن يأكل من الشجرة؛ ولكنه خالف وعصى قال الله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ فلم يحصل الاجتباء إلا بعد أن تاب من المعصية، فاجتباه الله، وتاب عليه، وهداه هداية علم وهداية توفيق، وهذا يدل على ما أسلفنا أن الإنسان بعد التوبة النصوح قد تكون حاله أكمل مما كانت عليه قبل فعل المعصية، وإنني بهذه المناسبة أود أن أقول: إن للتوبة شروطاً لا بد منها، الشروط خمسة: الأول: الإخلاص لله عز وجل بالتوبة، بحيث لا يحمل على التوبة رجاء شيء من الدنيا، أو خوف شيء في الدنيا، فليكون الحامل له على التوبة رجاء ما عند الله من الثواب للتائبين والنجاة نعم، بحيث يكون حمله على التوبة رجاء ما عند الله تعالى من الثواب للتائبين، والتخلص من أوزار هذا الذنب الذي قام به. الشرط الثاني: أن يندم على ما حصل من الذنب، ويتحسر ويود أنه لم يفعله. الشرط الثالث: أن يقلع عن المعصية، وإن كان الذنب ترك واجب استدراكه وفعله إن كان ممكناً، وإن كان الذنب فعل معصية أقلع عنها في الحال؛ ومن ذلك ما إذا كانت المعصية حقاً لآدمي، فإن الواجب عليه أن يبادر بالتخلص من هذا الحق إن كان مالاً رده إلى صاحبه، إن كان حياً معلوماً عنده، وإن كان ميتاً رده إلى ورثته، وإن جهله أو نسيه تصدق به عنه. والشرط الرابع: أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل؛ يعني يكون لديه عزم على أن لا يعود إلى هذه المعصية في المستقبل، وليس الشرط أن لا يعود إلى المعصية في المستقبل، الشرط أن يعزم أن لا يعود، ثم إن سولت له نفسه فعاد، فإن توبته الأولى تبقى على صحتها، ويحتاج إلى توبة جديدة للذنب الجديد. الشرط الخامس: أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، بأن تكون قبل حضور الأجل، وقبل طلوع الشمس من مغربها، فإن كانت بعد حضور الأجل فإنها لا تقبل لقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ وهو الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها». ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ وإنني أحث إخواني الذين لا يزالون على الذنب أن يبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان، وأن يعلموا أن عظم الذنب لا يمنع التوبة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً﴾.